المصلحة كشرط لاقامة الدعوى في القانون السوري
يقضي المبدأ القانوني العام أن أهم شرط لقبول الدعوى هو وجود مصلحة للمدعي في رفعها، وإن الصفة غالبا ما تكون مندمجة معها.
لذلك يقال : لا توجد دعوی بلا مصلحة والمصلحة مناط الدعوى، لأن مهمة القضاء محصورة بحماية حقوق الأفراد وتوزيع العدالة بين الناس، ولا يجوز صرفه عن مهمته السامية في أمور لا جدوى منها،
وعليه جعلت هذه القاعدة أو المبدأ من النظام العام فلا يجوز الإخلال به، وإذا اختلف الفقهاء في مدى ضرورة توفر الصفة في الادعاء فهم متفقون على ضرورة توفر المصلحة، وبهذا أخذت أكثر التشريعات، ويقابل وجود المصلحة الجواب على سؤال : لماذا ترفع الدعوى؟ أو لماذا هذا الدفاع، أو التدخل أو الطعن؟ فشرط المصلحة مطلوب في كل ادعاء أو دفاع أو تدخل، ويجب أن تتوافر في المصلحة المعتبرة أمام المحاكم الشروط الأتية:
1- المصلحة القانونية:
تكون المصلحة قانونية عندما تستند في وجودها إلى حق أو مركز قانوني، وتهدف الدعوى إلى اقتضاء الحق أو حمايته، أو إلى الحفاظ على المركز القانوني، والمصلحة القانونية يمكن أن تكون مادية وأدبية، أما المصلحة الاقتصادية المجردة، أو المصلحة الأدبية وحدها لا تكفي لقبول الدعوى،
فلا يكفي لقبول الدعوى التي ترفعها الخطيبة على خطيبها لتأكيد الزواج منه للعلاقة الحميمة التي قامت بينهما أثناء الخطبة، ويجب أن تكون أيضأ مشروعة. لذا، لا تقبل دعوى التعويض التي تقيمها الخليلة بسبب قتل خليلها بحادث كون المصلحة وإن كانت موجودة إلا أنها غير مشروعة بينما تكون الدعوى مقبولة لو أقيمت من أحد الأقارب الذين كان يعيلهم المتوفى على نحو دائم ومستمر لأن التعدي أخل بمصلحة مالية مشروعة للمذكور،
وإن تقدیر وجود المصلحة من عدمها يعود للقضاء في ضوء كل قضية على حدة دون وضع معيار عام يطبق على الدعاوى،
وبغض النظر عما إذا كانت المصلحة ذات قيمة مالية كبيرة أو صغيرة، ولكن يشترط أن تكون جدية، فقد ذهب القضاء في بعض الأحكام مثلا إلى القول أن الابن صاحب مصلحة بالادعاء أن والدته كانت معتوهة حين التصرف لأنه خلف عام لها، وأن الحيازة كافية لإضفاء صفة المصلحة على المدعي الحائز للسيارة المتضررة للمطالبة بالتعويض ولو لم يكن مالكة لها.
2- المصلحة شخصية ومباشرة:
تكون المصلحة شخصية ومباشرة عندما يكون المدعي هو الدائن أو صاحب الحق المعتدى عليه، أو من يمثله قانونا أو اتفاقاً ، وهذا يعني أن الدعوى الشعبية غير مقبولة أمام القضاء لأن الهدف من الدعوى في مجال القانون الخاص هي حماية المصالح الخاصة وليس حماية المصالح
العامة من خلال الحفاظ على مبدأ الشرعية وسيادة القانون، ومع ذلك فإن بعض التشريعات تعطي بعض الجمعيات أو النقابات المهنية الحق بإقامة الدعاوى باسمها لحماية المصالح المهنية الأعضائها،
أما إذا كانت المسألة تشكل ضررة يمس المجتمع فإن الادعاء العام هو الذي يملك الصفة والمصلحة في إقامة الدعوى لحماية أمن وسلامة المجتمع، كما أن المحكمة النقض في سلطنة عمان أجازت دعوى الحسبة بحيث أعطت الحق لمجموعة من الناس أو أحدهم إقامة الدعوى عن الباقين في الأمور العامة.
3- المصلحة قائمة وحالة:
تكون المصلحة قائمة وحالة عندما تكون مؤكدة وموجودة عند رفع الدعوى، وأن لا تكون احتمالية، لذلك يقول الفقهاء: إن الضرر الموجب للتعويض هو الضرر الواقع فعلا وهذا ما استقر عليه الاجتهاد،
وهو الذي يكون محلا للدعوى أما الضرر الاحتمالي الذي يمكن أن يقع ويمكن أن لا يقع فلا يكون موجبة للتعويض وتكون الدعوى به غير مقبولة،
وعلى هذا فإن دعوى الدائن بالمطالبة بالدين تكون غير مسموعة قبل حلول أجل الدين، أما إذا كان يواجه مسألة جدية تتعلق بإنكار الدين فإنه يملك الحق بإقامة الدعوى لإثبات وجود الدين، وقد خرج المشرع على هذا المبدأ بسماع الدعوى إذا كانت المصلحة محتملة في بعض الحالات على الرغم من أنها غير محققة منها:
أ. حالة كون المصلحة مهددة:
قد يباشر المدعى عليه أفعالا من شأنها أن تهدد حق المدعي أو مركزه تهديدا جدية محدقة، كتلك التي تمس حيازة المدعي العقار ما حيث تسمع دعاوى حماية الحيازة كدعوى وقف الأعمال، ودعوى استرداد الحيازة، ودعوى منع التعرض، كما يمكن سماع الدعاوى المتعلقة بمنع اعتداء غير مشروع أو وقفه، أو إثبات الصفة غير المشروعة لذلك الاعتداء.
ب . حالة تأكيد واقعة خشية زوال الدليل:
ينحصر قبول مثل هذه الدعاوى في القضايا المستعجلة كونها لا تمس أصل الحق بل تهدف إلى اتخاذ تدابير لحماية الحق، فهي تهدف إلى إثبات واقعة أو تهيئة دليل مسبقا بصدد نزاع قد يقوم بالمستقبل كطلب إجراء معاينة أو وصف حالة راهنة، أو إقامة الدعوى الأصلية بإثبات التزوير في سند معين. لذلك يشترط لسماع مثل هذه الدعاوی تحقق الأتي:
1- أن يكون موضوع الدعوى إثبات واقعة مادية، وليس تقریر مراکز قانونية.
2- أن تكون الواقعة المراد إثباتها يمكن أن تصبح محل نزاع مستقبلاً أمام القضاء، وبالتالي
تكون غير مقبولة إذا كان بشأنها معروضة أمام القضاء، أو أنه يستحيل نشوء نزاع بشأنها.
3- أن يوجد تهدید جدي بضياع معالم الواقعة إذا تم الانتظار حتى يعرض بشأنها على القضاء
4- أن لا تؤدي مثل هذه الدعاوى إلى المساس بالموضوع.
فهكذا، نجد أنه يمكن أن ينشأ خلط بين الصفة والمصلحة، لأنهما يردان غالباً كتعبيرين متلازمين، لأن الفرق بينهما دقيق جدا إذ أن الصفة تدل على الرابطة القائمة بين المدعي وبين الدعوى بغض النظر عن مضمون الحق المراد حمايته، أما المصلحة فهي الرابطة التي تقوم بين المدعي ومضمون الحق المراد حمايته.
لذلك فكما أنه لا يسمع أي طلب أو دفع ليس لصاحبه مصلحة قائمة فيه، كذلك لا يسمع أي طلب أو دفع لا يملك مقدمه صفة في تقديمه.
《المحامي باسل ألفا》